عندما نحب..
<BLOCKQUOTE>قالت: أيهما أفضل أن تُحِب.. وتُحَب؟
قلت: شيء جميل أن يشعر الإنسان أنه محبوب من الناس.. أن يجد حوله قلوباً ترعاه.. أن يستريح إلى نفوس يطمئن إليها.. فالإنسان بطبعه وتكوينه يحب أن يجد الناس حوله.. وما أجمل أن يجد الناس بمشاعرهم وليس بأجسادهم فقط.
والإنسان أيضاً يشعر بقيمة أن يحب.. أن يجد نفسه في إنسان آخر.. أن يستكمل دائرة مشاعره فيلوح في الأفق ضوء خافت يتسلل إلى نفوسنا ونتعلم منه الأشواق والحنين والافتقاد والألم.. شيء عظيم أن يعرف الإنسان طعم الحب.. حيث الانتماء والعطاء والصدق والاكتفاء.. إنسان أحبه يملأ حولي كل هذا الكون.. وأراه الناس جميعاً.
وإذا كان من المهم أن يجد الإنسان حوله قلوباً تحبه.. وأن يشعر أنه يحب.. فلا بد أن يحِب ويحَب في وقت واحد.. أكره الأشياء عندي هو ما نسميه بالحب من طرف واحد.. لأن الأصل في الحب أن يكون بين اثنين.. بين سالب وموجب لكي تكون هناك شرارة.. بين قلب وقلب لكي تكون هناك مشاعر.. أما ما يسمى بالحب من طرف واحد فهو يعني ان يعطي الإنسان بلا مقابل.. أن يضيء للآخرين ويبقى وحيداً في ظلمة أيامه.. أن يعطي العمر والقلب بينما هناك طرف آخر يعطي قلبه لشخص ثالث.
وقد يرى بعض الناس أن الحب من طرف واحد من أرقى أنواع المشاعر لأن الإنسان يعطي بلا مقابل.. وأنا أرى أن العطاء الذي يقابله صمت وجحود يترك في الأعماق مرارة..
ولذلك فأنا أرى أن الحب يجب أن يكون بين قلبين يشعر كل منهما باحتياج شديد للآخر.. شخصان يذوبان في شخص واحد.. إرادتان تتحدان في لحظة توحد كونية لا يعرف الإنسان حدوداً لها.. يتجاوزان بها حدود الأشياء ويشعر كل منهما أنه خلق للآخر.. وأنهما إنسان واحد شاءت الأقدار أن ينشطر إلى جزءين..
فكيف بالله يكون الإنسان سعيداً وهو يحب إنساناً آخر لا يعرف عنه شيئاً وربما كان قلبه مشغولاً بمن يحب.
الحب نوع من التكامل.. والتكامل يقوم على شخصين وليس على شخص واحد..
قالت: وهل معنى ذلك أن يلغي الحب إرادة المحبين؟
قلت: من قال هذا؟ في اتحاد إرادة المحبين ينبت شيء جديد يخرج منه فهم متبادل بلا حوارات.. وإحساس متواصل بلا كلام.. وتدفق في المشاعر بلا حسابات.. يشعر كل منهما أنه يتحدث بلسان الآخر ويفهمه دون أن ينطق.. ويراه وبينهما آلاف الأميال..
الحب تأكيد لفردية الإنسان وليس إلغاء لها.. حينما أجد نفسي في شخص آخر وأتوحد معه يزداد يقيني بالأشياء.. وتصبح إرادتي أكثر صلابة، وإحساس أكثر عمقاً..
ما أجمل أن تتوحد المشاعر وتتفاعل لتصنع عالماً جديداً يتجاوز حدود الفرد إلى آفاق أبعد وأوسع وأشمل.. وهذا هو الحب.
قالت: ولكن الحب أعمى..
قلت: هذا مثل ساذج.. لأن الإنسان لا يرى من يحب بعينه فقط.. حينما يحب الإنسان يشعر أن كل شيء فيه أصبح عيوناً ترى هذا الحبيب. فأي العيون يكذب.. القلب.. أم العيون.. أم الكلام.. أم اللهفة أو الأشواق.. أم الألم؟.. كل جزء في كيان الإنسان يرى من يحب.. فنحن لا نرى أحبابنا بعيوننا فقط.. كل جزء فينا يرى حينما نحب.
قالت: وهل يمكن أن تخدعنا مشاعرنا فيمن نحب؟..
قلت: عادة نترك هذه الأشياء للزمن.. إن الزمن هو الاختبار الحقيقي لمشاعر الناس.. هو الميزان الحساس الذي نعرف منه قيمة الأشياء بين أيدينا.. قد تخدعنا مشاعر طارئة أو لهفة زائفة أو لحظة جنون عابرة.. ولكن هذه المشاعر سرعان ما تنزوي وترحل مثل الضباب في فصل الصيف.. تظهر الشمس في السماء ويتساقط الضباب أمام حرارتها مثل أوراق الخريف.. أما الحب الحقيقي فهو أكبر من متغيرات الزمن، ولذلك تمضي الأيام تحملها حقائب الزمن ويبقى الحب رغم أنف الأيام يحملنا في كل الأماكن ويشاركنا كل الأزمنة.. قد تعبر على الإنسان نزوة عابرة وهذا ليس حباً.. ولكن الحب إحساس متكامل يصعب علينا أن نطبق عليه قواعد التشريح.. الحب حالة تحتوي الإنسان تماماً فلا يرى في الكون شيئاً أكبر ممن يحب.
</BLOCKQUOTE>